سلاح المقاومة واسئلته

بقلم : عمر حلمي الـغــول
عاد سلاح المقاومة اللبناني لواجهة المشهد الاعلامي بعد خطاب نعيم قاسم، امين عام حزب الله قبل يومين، عندما اعلن في كلمته بمناسبة يوم القدس: لا احد يفكر في نزع سلاح المقاومة، سلاح المقاومة خط احمر! وفي ذات الخطاب، اكد الشيخ قاسم، ان حزب الله ملتزم بخطاب القسم للرئيس جوزف عون، وبرنامج حكومة نواف سلام. مما اثار التباسا لدى الرأي العام اللبناني، كونه قال الشيء ونقيضه، مما دعى الرئيس اللبناني الرد من بكركي بالقول: ان قرار سحب السلاح من الميليشيات حسم، وليس مطروحا للحوار. كما اردف قائلا، ان لا احد من الشعب اللبناني يريد الصدام والحروب والمواجهة، والسلاح محصور بيد الجيش اللبناني، وهو الجهة الوحيدة المكلفة بحمل السلاح. وعمق هذا الموقف رئيس الحكومة، نواف سلام في مقابلة مع قناة العربية، وكلاهما اكدا على اهمية الالتزام بقاعدة الحوار مع حزب الله لتكريس سيادة الدولة على الاراضي اللبنانية كافة، والاتفاق على الطريقة التي سيتم تسليم سلاحه للجيش اللبناني، ودمج عناصره في المؤسسة العسكرية الامنية.
باختصار ملف تسليم حزب الله لسلاحه بات منتهيا، وما ذكره امين عام حزب الله، ليس اكثر من استهلاك اعلامي، ودغدغة مشاعر محازبيه وانصار الحزب، كما يقول المثل الدارج في اوساط اتباع الديانة المسيحية عن علاقة الخوارنة مع الرعية، كلام الخوري للرعية شي، وكلامه مع الخوارنة شيء اخر! ولهذا ردة فعل القيادة السياسية والعسكرية اللبنانية كان باردا ومتفهما خلفية موقف الشيخ قاسم. لا سيما وان تحولات دراماتيكية اصابت حزب الله بعد عملية البيجر نهاية تشرين ثاني/ نوفمبر ٢٠٢٤ واغتيال الامناء العامين السابقين حسن نصرالله وخليفته هاشم صفي الدين وفؤاد شكر وقيادة قوة الرضوان، ولكن هذا لم ينه او يقضي على حزب الله كليا، لانه مازال موجودا كقوة حزبية وسياسية في المشهد اللبناني.
كما ان هناك عوامل موضوعية هامة اثرت سلبا على مكانة حزب الله، منها: اولا تراجع وانخفاض الاهتمام من قبل قيادة الجمهورية الايرانية ومرجعيته الدينية بحزب الله؛ ثانيا سقوط نظام بشار الاسد حليف ايران وحزب الله؛ ثالثا تفكك ما سمي بمحور المقاومة وسقوط شعار ” وحدة الساحات”، وتلاشي دور الساحات الاخرى؛ رابعا فضلا عن ان دول الاقليم عموما، وحتى المشهد العالمي بمختلف ملامحه يدعم النظام السياسي اللبناني الجديد.
هذه العوامل بالتلازم مع الوضع الذاتي الصعب والمعقد الذي احدثته ضربة البيجر الاسرائيلية النازية، قصمت ظهر الحزب، ودفعته دفعا بقوة ارتداداتها الزلزالية من خلال الضربات العسكرية الاسرائيلية الاجرامية المتتالية والتي اصابته في الرأس ومختلف انحاء الجسد، فبات في واقع مغاير تماما عما كان عليه قبل ٢٧ تشرين ثاني/ نوفمر ٢٠٢٤.
اذا مجمل التحولات الداخلية والخارجية في الحزب والمشهد اللبناني والعربي والاقليمي والدولي القت بثقلها على قيادة الحزب الجديدة بزعامة الشيخ نعيم قاسم، بعيدا عن الكاريزما، والزمتها بمراجعة واقع وتجربة الحزب الراهنة، ودراسة كيفية حماية رأس الحزب وبعض مؤسساته، واخراج عملية تسليم السلاح للجيش اللبناني والنظام السياسي الجديد.
مؤكد لا يمكن عزل هذه العملية عن الغطرسة والفجور الاسرائيلي الذي مازال حتى اللحظة ينتهك الاتفاق المبرم مع النظام اللبناني برعاية الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا، ويقيم في خمسة نقاط داخل الاراضي اللبنانية، ولم ينسحب منها، اضافة الى ارتكابه سلسلة متواصلة من عمليات القصف الوحشي للبلدات والقرى في الجنوب اللبناني، حتى الضاحية الجنوبية في بيروت لم تسلم من عمليات القصف الهمجية، ويتوغل بين الفينة والاخرى داخل الاراضي اللبنانية بذرائع واهية وكاذبة، وللاسف الشديد لم يتخذ رعاة الاتفاق الاميركيون والفرنسيون اية اجراءات رادعة ضد الانتهاكات وعمليات القصف الاسرائيلية، ليس هذا فحسب، بل تصمت صمتا مريبا تجاه ما يجري من جرائم اسرائيلية، وكأن لسان حالهم، دعم تلك الانتهاكات والشد على اليد الاسرائيلية، الامر الذي يؤثر على صانع القرار اللبناني في ملف سحب السلاح، ويضعه في موقف حرج وصعب، وهو ما يفرض على رعاة الاتفاق الزام اسرائيل بتنفيذ بنود الاتفاق ووقف اعتداءاتها على الضيع والبلدات اللبنانية، ومنح الفرصة لقيادة الجيش اللبناني من تولي مهامه في السيطرة الكاملة على الحدود الفاصلة بين اسرائيل ولبنان، ومن ثم تتفرغ الحكومة اللبنانية بسحب سلاح حزب الله، لا سيما وان هناك استعدادا من قيادة الحزب الالتزام باستحقاقات النظام اللبناني السياسية والامنية والقانونية والاقتصادية وغيرها.